عند بداية فصل الربيع حين يبدأ الجو في التحسن، تبدأ أيضاً معظم أمهات الأطفال الصغار في التفكير في تدريبهم على استخدام المرحاض والاستغناء عن الحفاضات، ولذلك يبدأن في طرح السؤال المعتاد "متى يجب أن نبدأ؟" وقد يبدو الشعور بالذنب والحيرة على وجوههن مما يواجهونه من ضغوط خارجية غالباً ما تكون من المحيطين من كبار السن.

وحيث إن البعض من هؤلاء الأمهات الشابات غالباً ما يكونوا قد قرأن بعض الكتب ودرسن وأخذن الدورات التدريبية مما يجعلهن أكثر دراية من أمهاتهن في كيفية التعامل مع الواقع الجديد للأطفال، لذلك يأتين إليَّ يسألن في شك وتردد "هل نبدأ الآن أم ننتظر أكثر؟ هل نعتبر متأخرين أم مبكرين في التفكير في هذا الموضوع؟"

و الآن تأتي نصيحتي الدائمة لهن أن كل أم هي الوحيدة التي تملك الغريزة الخاصة التي بواسطتها يمكن أن تشعر وتقرر الوقت المناسب للبداية لطفلها. ولكن عليها القيام ببعض الواجبات أولاً قبل وضع الاستراتيجية الخاصة بها. يجب على كل أم في هذه المرحلة أن تبدأ بقراءة آراء مختلفة مستندة على دراسات في هذا الموضوع مع سؤال المتخصصين وحضور ورش عمل خاصة بالموضوع وأخيراً تستطيع أن تتخذ القرار الخاص بها بناءً على كل ما فات. وبما أنها هي التي ستقوم بكل الأعمال المتعلقة بهذا الأمر، لذا يتعين عليها اتخاذ قرار الوقت المناسب للشروع في عملية التدريب.

 

و الآن اسمحوا لي أن أعرض لكم جانبا من الإيجابيات والسلبيات لكل من الآراء المختلفة في هذا الموضوع على مدار السنوات الماضية .

 

نظرة على تاريخ التدريب على الدخول للمرحاض من قبل الأطفال الصغار: (ليكوفيك، 2006)

 

لوحظ تذبذب كبير في الآراء المتعلقة بطرق وسن البدء في التدريب على دخول المرحاض وخلع الحفاضات. والمثير للاهتمام بحق أن هذا الاختلاف كان معتمداً على الاتجاهات الاجتماعية وليس الاكتشافات العلمية.

و هذا بدوره ما يفسر الضغوط التي تواجهها الأمهات الشابات من المجتمع المحيط وكيف أن هذا الضغط الاجتماعي قادر على توجيه الأمور نحو إتجاه معين .

 

في عام 1914، كان المتخصصون ينصحون الأمهات بوضع أطفالهن الرضع ( الذين لا تزيد أعمارهم عن ستة أشهر من العمر) على مرحاض الصغار "البوتي Potty" واستخدام أسلوب الثناء ،الإشادة و الإطراء أوالمكافآت وعدم إلقاء اللوم والتأنيب بأي شكل .

 

في العشرينات من القرن الماضي، ارتفعت شعبية العالم السلوكي "جون برودوس واطسون" للغاية. حيث أوصى بأساليب وإجراءات أكثر شده وقسوة في التعامل مثل استخدام ما يسمى "عصا الصابون " الذي يتم إدخاله في المستقيم لتحفيز حركة الأمعاء عندما يجلس الطفل على مقعد المرحاض!

وكان ينصح الأمهات في البدء في التدريب مبكراً بداية من سن شهر واحد على أن يتم الانتهاء وعمر الطفل من 8 إلى 9 أشهر .

بين الثلاثينات والأربعينات، بدأ ظهور نظرية التحليل النفسي التي أكدت على الاهتمام بسلوكيات مقدمي الرعاية للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة وكيف أنها تؤثر بشكل كبير على تطور نمو الطفل فيما بعد. أيضاً تم إلقاء الضوء على نظرية (nurture vs. nature theory) وهي تتناول تأثير البيئة والتربية في مقابل العوامل الوراثية، ومن يعتبر المؤثر الأكثر فاعلية على تطور نمو الطفل. وقد كان المحلل النفسي المشهور فرويد من الذين حذروا من الآثارطويلة المدى الناتجة عن التدريب على الدخول للمرحاض وخلع الحفاضة على شخصية الطفل .

 

 وبينما حاول الدكتور هارولد في سنة 1949أن يثبت أنه لا علاقة بين أساليب تربية الأطفال وتطور نموهم وشخصياتهم فيما بعد، ولكن تم تجاهل استنتاجاته بعد ذلك .

بينما أوصى الدكتور المعروف سبوك في 1946 بأنه لا يجب التدريب على استخدام المرحاض  قبل أن يستطيع الطفل الجلوس بشكل مستقل، والذي هو في سن 6 أشهر من العمر .

- ثم في عام 1957 جاء الدكتور روبرت سيرز، ليصرح بأن الضغوط الشديدة والأساليب الصعبة التي تتبع في عملية التدريب قد تؤدي إلى مشاكل نفسية للطفل تجعله يقاوم التغيير وبالتالي لا تساعد على الاسراع من تدريبه بأي شكل من الأشكال .

- في 1970 وحتى عام 2002، أظهرت العديد من الدراسات الأفضلية للتدريب مبكراً، وأوصت بالبدء من حوالي 18 شهرا من العمر لتمكين الطفل للإنتهاء قبل سن 24 إلى 36 شهرا. وفي دراسة نشرت في مجلة طب الأطفال في عام 2003 تم اكتشاف علاقة مباشرة بين سن البدء في التدريب وسن الانتهاء منه .

 

 الدروس المستفادة من خلال الخبرة في حضانة الطفل المبدع CLC :

 

يتم التعامل في حضانة الطفل المبدع مع أعداد كبيرة من الأطفال في وقت واحد، ومنذ أن بدءنا في تحمل هذه المسؤولية مع الآباء والأمهات الذين نعتبرهم بمثابة شركائنا في رفع وتنمية قدرات الطفل ومهاراته. وفي إطار حرصنا للقيام بواجبنا فإننا نهتم وبشكل مستمر بالاطلاع على دراسات وآراء مختلف المهنيين والمتخصصين لنكون قادرين على بناء الاستراتيجية الخاصة بنا، والتي يتم عرضها على الأب والأم ولهم دائماً الحرية في قبولها أو رفضها.

وفقا لذلك ومن خلال ملاحظاتنا عبر السنوات العشر السابقة، وجدنا أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18-24 شهرا كانوا الأكثر نجاحا لتحقيق أفضل نتائج من وراء التدريب .

لاحظنا أيضا أنه قبل 18 شهرا يمكن تحقيق النجاح في بعض الأحيان، ولكن ذلك يحتاج إلى التحلي بالصبر وتحمل وبذل جهد هائل من الأم. ومع تحديات ومتطلبات ومسئوليات الأمهات اليومية، لمسنا أن معظمهن يحاولن الانتهاء من عملية التدريب هذه مع بذل الحد الأدنى من الجهد وعندما سُئلن "هل يمكنكن القيام بذلك لعدة أشهر دون أن تفقدن أعصابكن أو توبخن أطفالكن بأي شكل من الأشكال ؟ والجواب الوحيد تقريباً هو دائماً " لا" !

 

المنهجية التي طبقت مع أطفال حضانة الطفل المبدع:

 

نعمل دائماً على تطوير وتحديث منهجيتنا في CLC على مدى السنوات العشر الماضية .

بدءً من ورشة عمل " تدريب الطفل على استعمال المرحاض" للآباء والأمهات الذين هم على استعداد للبدء من موسم الربيع من كل عام. ويلزم على المعلمات أيضاً في CLC الحضور في هذه الورشة ليكونوا على دراية بما يجب عمله وقادرين على متابعة الأطفال وفقاً لذلك .

أيضا يتطلب على أخصائيي علم النفس العاملين في CLC حضور هذا التدريب ثم إجراء ورشة عمل تدريبية مماثلة "للمساعدات Helpers" اللاتي بدورهن يتحملن المسؤولية لأخذ الأطفال بانتظام إلى المرحاض في جو من المرح فضلا عن تشجيعهن الدائم خلال مرافقتهن لهم.

بعد ذلك يجلس أخصائيو علم النفس مع جميع الآباء والأمهات الذين قرروا بدء التدريب كما يتم الاتفاق على استراتيجية تعزيز متوازن والتحذير من الأخطاء الشائعة التي شهدناها سابقا خلال هذه المرحلة .

طريقتنا في CLC تتبنى استخدام الدمى، رواية القصص، والتمثيل لمساعدة الطفل على فهم هذه الفكرة، معززه بزيارات متكررة بشكل دوري إلى المرحاض .

وكانت هذه الطريقة ناجحة مع حوالي 850 من الخريجين لدينا فيما عدا هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لضغط نفسي من قبل الوالدين أو احداهما في المنزل، الشيء الذي قد يودي بالطفل عدة خطوات الى الوراء، وربما قد يؤثر تأثيرا سلبيا على نموه وشخصيته لاحقاً.

لهذا السبب أرجح أن نجاح عملية التدريب هذه تعتمد بشكل أساسي على قابلية واستعداد ولي أمر الطفل أو الأم أكثر من قابلية الطفل نفسه. وبينما كنت تلاحظين وتبحثين عن دلائل تلمح على أن طفلك جاهز للتدريب على الدخول للمرحاض وخلع الحفاضات، أيضا تحققي جيداً من استعدادك الخاص لهذه العملية.

أخيرا، إن تدريب الطفل على استعمال المرحاض هي العادة المكتسبة طبيعيا، والتي يكتسبها الطفل تلقائيا عن طريق التقليد من خلال البيئة المحيطة به. فالطفل يحتاج فقط إلى أحد الوالدين الذي لديه الاستعداد للتحمل وبذل الجهد المطلوب للنجاح في التدريب على هذه العملية، وبعبارة أخرى إذا كانت الأم أو مقدم الرعاية جاهزاً ولديه الاستعاد الكافي، فإنه على الارجح ستكون تجربة سلسة وناجحة بل وممتعة أيضاً .

 

مع أطيب تمنياتي بقضاء تدريب سلس وسعيد لك ولطفلك.

 

المراجع

Lekovic, J. (2006). diaper free before 3. New York: crown publishing.

Oesterreich, L. (2007, February). Understanding children toilet training. Family Life,

 

بقلم: د. منى يسري

طبية نفسية للأطفال، ومستشارة أسرية، ومؤسِسة حضانة الطفل المبدع