في هذه الآونة يتزايد عدد الآباء المهتمين بالمنهجيات التعليمية وتدريجياً يتزايد إيمانهم بأهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. كما يزيد الإدراك بأهمية الخمس إلى الست سنوات الأولى من عمر الطفل التي تعد سنوات حاسمة من حيث نمو الطفل. تتضاعف خلايا المخ بسرعة فائقة خاصة في السنوات الثلاث الأولى من الحياة. وفي هذه المرحلة المبكرة يتجه الطفل نحو التحكم أكثر فأكثر في مهاراته البدنية وكذلك تفاعله الاجتماعي مع البيئة المحيطة. (داروش 1907)

في القرن الماضي، ظهرت في أوروبا ثلاثة من أفضل المناهج تحديداً وهي: منهج ولدورف، منهج ريجيو إميليا، والمنهج المونتيسوري. كانت المناهج الثلاثة جميعها بمثابة مصدر للإلهام المطلق في عملية الإصلاح التعليمي، وقد خرج من إيطاليا اثنان منهم هما: منهج ريجيو اميليا والمنهج المونتيسوري. (جوفن 2000) وهنا دعونا نقوم بمحاولة لفهم المزيد عن المنهج المونتيسوري، ومن حين لآخر نعقد مقارنة بينه وبين المنهجين الآخرين. 

  ماريا مونتيسوري (1870- 1952) هي مؤسسة المنهج المونتيسوري، وكانت أول طبيبة سيدة في إيطاليا. بعد أن عملت في مصحة للمختلين عقلياً، كما كان يطلق عليهم في ذلك الوقت، فتنت مونتيسوري بالعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ووجدت أن الطرق التي استخدمتها معهم أبرزت نتائج أفضل. لاحقاً في 1907 افتتحت ماريا "منزل الأطفال" وبدأت بالعمل مع الأطفال طبيعي النمو. وعلى مدار حياتها، جاءت مونتيسوري بكثير من النظريات الخاصة بتعليم الأطفال ونموهم، ورشحت لجائزة نوبل ثلاث مرات. توفت مونتيسوري في هولندا في عام 1952 تاركة وراءها ميراثاً غنيا ًيدعو إلى الاستكشاف. (موني- 2000)

 

من أهم الأفكار التي خرجت بها مونتيسوري أن الأطفال تحتاج إلى أثاث يتناسب مع أحجامهم ليمكنهم من العمل بشكل أكثر استقلالية، وكما نرى أدخلت معظم الحضانات ورياض الأطفال تلقائياً هذه الفكرة دون معرفة أنها من بين أفكار المونتيسوري في الأصل. كما شجعت على استخدام أشياء من الحياة الطبيعية، مثل الأكواب الزجاجية الطبيعية، والشاكوش، والسكين، والمقص حتى يتمكن الطفل من اكتساب مهارات استخدامها بسهولة. واعتقدت أن إعطائهم الأدوات البلاستيكية التي لا تعمل بالفعل يؤثر على كفاءتهم، بينما تقديم الأدوات الحقيقية، يمكنهم من تعلم كيفية استخدامها بأمان. ومن ثم توضع هذه الأدوات بنظام على أرفف في متناول يد الطفل حتى يستطيع الوصول إليها بنفسه. يختار الطفل بحرية الشيء الذي يثير انتباهه، ويضعه على منضدة أو سجادة صغيرة ويبدأ في استكشافه واللعب به لعدة مرات حسب رغبته. وعندما ينتهي الطفل يوجه إلى إعادتها في مكانها على الرف. على سبيل المثال، يمكن أن يختار الطفل أدوات صب الماء ويستمر في صب الماء من الإبريق إلى الكأس عدد من المرات التتابعية إلى أن يقرر حصوله على كفايته من اللعب ويعيد الأدوات إلى مكانها.  

 

تقود هذه العملية الأطفال إلى أن يصبحوا غاية في النظام والترتيب، ولكن في رأي أنها أخفقت في أمرين: الأمر الأول هو أن الطفل يلعب بشكل فردي في معظم الأحيان مما قد يؤدي إلى التدهور في مهاراته الاجتماعية. ومن ثم، تنصح المدارس التي تطبق المنهج المونتيسوري بتدعيم برامجها بالأنشطة الجماعية. الأمر الثاني هو أن التعليمات الممنهجة لأداء نشاط محدد في خطوات محددة تضعف بدورها مهارات الطفل الإبداعية، وبالتالي يجب أن يضاف إلى برامج المونتيسوري الأنشطة الفنية، التي تبعث على حرية التعبير.

 

ثبت من خلال التجربة أنه من الأفضل اتباع حب الاستطلاع لدى الطفل وتدريسه ما يرغب في تعلمه ويسأل عنه، بدلاً من أن نفترض أنه يجب أن يتعلم أمراً معين ويدرسه فقط لأنه أمراً مطلوب. ويمكن تمثيل ذلك بأن الطفل لديه محرك بداخله يحثه على معرفة المزيد عن البيئة التي يعيش فيها واستكشافها. (درووش 1907). في الوقت نفسه يعتمد منهج الريجيو على أن الطفل أكثر استطاعة ولديه قدرات لا حدود لها،  ولا يحتاج إلى مجموعة من الأنشطة المحددة، بل على العكس، فإن المنهج أكثر انفتاحاً بما يتفق مع اهتمامات الطفل، ويعتبر ذلك إيماناً عميقاً بإمكانيات الطفل الداخلية وقدراته الإبداعية.       

 

كانت ماريا مونتيسوري من اتباع المدرسة البنائية في التعليم الذين يؤمنون بالذكاء الطبيعي لدى الطفل. قسمت مونتيسوري النمو إلى سلسلة من الأطوار على مدار ست سنوات: أطلقت على الثلاث سنوات الأولى من الحياة "العقل الباطن الممتص" ، والثلاث سنوات التالية "العقل الواعي الممتص" (مونتيسوري وشاتنج ماكنيكولاس، 1995). وقد تم تصميم منهج فردي لهذه المرحلة من سنة إلى ست سنوات، يتميز هذا المنهج بوجود نطاق وتتابع من نوع خاص.

 

من ناحية أخرى  يرى لوريس مالجيزي (مؤسس منهج الرجيو إميليا) أن الطفل كائن اجتماعي منذ ميلاده ولديه قدرات وإمكانيات لا حصر لها. كان مفهومه التعليم من خلال العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء، والمعلمين، والآباء وفي الوقت نفسه التفاعل مع البيئة (مالجيزي- 1993). يقوم هذا الطفل بعمل تغيرات في النظم بالتفاعل مع البيئة المحيطة وفي هذه الحالة يطلق عليه "منتج الثقافة، والقيم والحقوق". (رينالدي، 2001a، ص 51).

 

بيئة الحجرة الدراسية في المنهج المونتيسوري منظمة جداً، جميع الأدوات موضوعة بدقة على الأرفف أما المدرسيين فهم أقرب إلى "المدير غير المزعج" لحركة الفصل، ويقوم بإبداع بيئة من "الانتاجية بهدوء". لذا فعندما تلاحظ الحجرة الدراسية في النظام المونتيسوري، فإنك قد لا تشهد الحوارات الصغيرة الناتجة عن التفاعل بين الأطفال والتي تعتبر سمة مميزة لفصول رياض الأطفال وستجد الأطفال أكثر هدوءا منهمكين في أعمالهم.    

 

في منهج ولدورف تقوم المعلمة بدور مختلف تماماً إذ تكثر من الأعمال الترفيهية في وجود منهج دراسي معد. وتحقق التناغم في العملية التعليمية وتعمل كنموذج للانضباط الإيجابي. أما في منهج الريجيو فإن المعلمة متعلم مراقب تدفع الأطفال بمهارة إلى المرحلة التالية من التعليم مع تدعيمهم. وهي ليست شديدة الهدوء بل تعرف كيف تسأل بنهايات مفتوحة تعمل على إثارة طاقتهم الإبداعية مع الحفاظ على حريتهم في الوقت نفسه. وتقوم بدور "تحقيق التوازن الماهر بين الانشغال والانتباه" (إدواردس، 1998). إضافة إلى ذلك فإن بيئة الحجرة الدراسية في كلاً من المنهج الرجيو ومنهج ولدورف أكثر جمالية مقارنتاً بها في المنهج المونتيسوري.  

 

كانت هذه مجرد مقتطفات مختصرة للمنهج المونتيسوري في مقارنة مع مناهج تعليمية أكثر حداثة، وكطبيبة نفسية أطفال ومن القائمين على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، أود أن أنصح زملائي من المعلمين في الاستمرار في البحث الشامل في النظم الثلاثة، وقراءة عدد كبير من الأبحاث المتخصصة في علم نفس الطفل وكذلك الدراسات الحديثة، وأخيراً الخروج بأسلوب جديد ملهم بالمناهج السابقة مع الأخذ في الاعتبار البعد الثقافي. لا أجده من الصواب أن يستخدم ما تم اكتشافه في القرن التاسع عشر في عام 2012. بالتأكيد يمكننا استخدام الأبحاث السابقة، ولكن علينا أن نتحداها، مثلما تحدت ماريا مونتيسري التعليم التقليدي في زمنها. بمعنى آخر السعي إلى الابتكار لا التقليد.  

 

 المراجع

 

درووش. أ. (1907): الأطفال: بعض المشكلات التعليمية

 إدوردس (2006): التعليم المونتيسوري وأساسه العلمي، جامعة نبرسكا، لينكون، دوا:

 موني، ج (2000): نظريات الطفولة. أمريكا: مطبوعات رد ليف

 http://digitalcommons.unl.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1032&context=famconfacpub&sei-redir=1&referer=http://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=montessori+strengths+weaknesses&source=web&cd=59&ved=0CFwQFjAIODI&url=http%3A%2F%2Fdigitalcommons.unl.edu%2Fcgi%2Fviewcontent.cgi%3Farticle%3D1032%26context%3Dfamconfacpub&ei=_lVKULS3NorIhAf0_oCQCg&usg=AFQjCNFw9m5Wua9cF0NMik0Xj4CQlHprFg

 http://mont.co.za/what.php

http://ecrp.uiuc.edu/v4n1/edwards.html

 

كتبتها دكتورة منى يسري

طبيبة نفسية أطفال واستشاري الأسرة ومؤسسة حضانة CLC

www.clceg.com