هل لا زلتي تطعمين طفلك في فمه حتى مع بلوغه سن السادسة أوالسابعة؟ هل تقومين بتشغيل التلفاز لإلهاء طفلك حتى تنتهي من إطعامه؟ هل تجري وراء طفلك أثناء لعبه في النادي ليأخذ قضمة من طعامه؟

تعتبر تلك المواقف من السلوكيات الشائعة في الثقافة المصرية. فمن أحد المتطلبات اللازمة للحصول على لقب "الأم المصرية الجيدة"، تغذية الطفل حتى ظهور علامات امتلاء الخدود وثنايا الفخذ.

ودائماً ما تحدث المناوشات بين الجدات وبناتهن أو زوجات أبنائهن إذا لم يكن الحفيد سميناً نوعاً ما، أو إذا رزقوا بطفل هزيل الجسم، مصح، لا يعاني من نقص الوزن وفقاً للمعايير الطبية، غير أنه يعاني من سوء التغذية وفقاً للمعايير الثقافية. ولا يزال الناس يصنفون هذه الأم ضمن فئة الأمهات غير المهتمة باحتياجات طفلها الغذائية وتفرض كل هذه العوامل ضغوطاً على الأم للاستمرار في تغذية طفلها والتذمر إذا اشتكى من الشبع.

من ناحية أخرى، توجد مجموعة من الآباء والأمهات الذين رزقوا بأطفال منخفضي الوزن عند الولادة، وتلقوا تحذيرات مشددة من قبل الأطباء لإطعامهم إلى أن يصلوا إلى وزنهم الطبيعي.

ينتج عن كل هذه الضغوط نتيجة واحدة تقريباً وهي ظهور آباء و أمهات يعانون من قلق مفرط حول تغذية طفلهم مما يتسبب في سلوكيات أبوية تجعل الطفل لا شعورياً مقاوماً للطعام. من أمثلة هذه السلوكيات ما يلي:

 

-         الزيادة المفرطة في كمية الطعام التي توضع في طبق الطفل والإصرار على انتهاء الطفل من هذه الكمية الضخمة.

-         سؤال الطفل باستمرار عما إذا تناول طعامه في الحضانة أو المدرسة.

-         رفض اعتماد الطفل على نفسه في تناول الطعام خوفاً من سقوط الطعام أو العبث فيه

-         الإلحاح على الطفل بعصابية ليأكل

-         الرد على الطفل بتعبيرات بالوجه أو تعليقات شديدة عند رفضه تناول الطعام

-         التدليل الزائد عن الحد أو رشوة الطفل ليأكل

-         التهديد بالعقاب إذا رفض الطفل تناول الطعام

 

يتعلم الطفل من ردود فعل الوالدين وتعبيرات وجوههم وممارستهم للضغوط المتزايدة أن الطعام يعتبر من المجالات الرئيسية التي يمكن من خلالها السيطرة على الوالدين والحصول على ما يريده. وليس السبب في ذلك أن الطفل مراوغ بطبيعته، ولكن ببساطة لأننا كآباء نعلمهم دون وعي أن هذه هي الطريقة للحصول على ما يريدون.

 

والسؤال الآن هل تقومين بإخفاء الخضراوات أو خلطها مع الكيك أو الفطائر؟ هل فقدت الأمل في تناول طفلك للسلطات أو اللحوم؟

أستطيع أن أجيبك بأنه لا حاجة لذلك. فطريق الوصول إلى طفل يتناول غذاء صحي متاح.

فمن خلال مشاهدتي لمئات الأطفال في سن ما قبل المدرسة على مدار العشر سنوات الماضية، عرفت أن بعض الأطفال يكونوا أكثر صعوبة، وبعضهم أكثر عناد، والبعض منهم يعاني من مشكلات حسية، وكذلك فإن بعض الآباء يكونون أكثر ثباتاً وصبراً في حين أن البعض الآخر يكونون أكثر تعارض ومرونة.

 

وقبل أن أقدم بعض النصائح للوصول إلى التغذية الصحية، دعونا نلقي نظرة على إمكانية تطبيق المراحل النفسية، التي قام بتصنيفها عالم النفس إريك إيركسون، على تتطور مهارات تناول الطعام لدى الأطفال.

 

  • مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة (الطفولة المبكرة)

لضمان تحقيق الثقة لدى الطفل في هذا السن، ينصح الآباء أو القائمين على العناية بالطفل بتغذيته عند شعوره بالجوع دون تأخير والتوقف عن إظهار الطفل علامات الشبع. كما يتعين على مقدمي الرعاية اتباع طريقة مريحة وآمانة وحانية أثناء إطعام الطفل، لا تقتصر فقط على مسك الزجاجة بينما يجلس الطفل في كرسيه.

 

فإذا قامت القائمة على رعاية الطفل بتغذيته وفقاً لجدول صارم لا يتناسب مع احتياجات الطفل أو بطريقة آلية دون حمله برقة وحنان فمن الممكن أن يتولد لدىه شعور بعدم الثقة يستمر معه ويؤثر على سلوكياته وعلاقاته.

 

  • مرحلة الاستقلال في مقابل الخجل والشك (الطفولة)

في هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى أن يثبت لنفسه أنه مستقل ويستطيع الاعتماد على نفسه. ومن ثم يجب تشجيعه على تناول الطعام بنفسه، مهما صاحب ذلك من فوضى. إذا رفض الطفل تناول الطعام يجب التعامل مع هذا الأمر ببساطة وتكرار المحاولة لاحقاً. إذا أصرت مقدمة الرعاية على إطعام الطفل أو مقاطعته لتنظيف خلفه من فوضى أو إجباره على أكل طعامه كله، فقد ينتج عن ذلك إنسان شكاك يخجل من نفسه، هذا إلى جانب حدوث صدع في ثقته بنفسه.

 

  • مرحلة المبادرة مقابل الشعور بالذنب (الطفولة المبكرة)

تتميز هذه المرحلة بوجود رغبة لدى الطفل بالمبادرة والمحاولة والمجازفة. يقوم الآباء بتقديم الطعام للطفل بحيث يستطيع أن يخدم نفسه ويقرر الكميات التي يحتاجها. كما يجب التعامل مع سقوط الطعام على أنه أمر عادي ليس بكارثة. ويجب احترام شعور الطفل بالشبع. ويتجنب تماماً القيام بعكس التوصية السابقة، وإلا سيتولد عند الطفل شعور قوي بالذنب.

 

  • مرحلة المثابرة في مقابل التدني (منتصف مرحلة الطفولة)

في هذا السن، يحتاج الأطفال إلى الشعور بالقدرة على إنجاز الأعمال وتحقيق المهام الموكلة إليهم. لذا يوصى بتنظيم البيئة المحيطة بحيث يستطيع الطفل تحضير طعامه. وتعتبر وصفات الطهي الخاصة بالأطفال من الأعمال المنتجة في هذا السن. ويستطيع الأطفال أيضاً إعداد قوائم الطعام واقتراح جداول لتناول الوجبات. يساهم هذا في إبعاد الطفل عن الشعور بالدونية الذي قد يتولد إذا قدمت للطفل وجبات معدة من قبل وأجبر على أكل كل ما يقدم إليه.

 

والسؤال هل كل الأطفال اللذين يعانون من مشكلات في تناول الطعام نتاج لسلوك الآباء؟

 

في رأي فإن الإجابة على هذا السؤال هي لا. فقد ترتبط كراهية الأطفال للطعام بنوع من الحساسية وقد تزيد في بعض الحالات حساسية الطفل تجاه ملمس الطعام أو رائحته أو طعمه مما يصعب على الطفل تحمل بعض الأطعمة. لهذا فإذا لحظت رفض الطفل لمجموعة معينة من الطعام، قومي بإجراء اختبارات الحساسية له.

 

كيف نربي طفل يتناول الطعام الصحي؟

 

يلي بعض الأفكار التي يفضل القيام بها وأخرى يجب تجنبها:

 

  • أبدأ مبكراً: لقد لاحظت أن الأطفال الذين يتناولون الحبوب الحلوة قبل الخضروات المهروسة، قد يتولد لديهم ميل لرفض الخضروات فيما بعد. لذا لا تقوم بتحلية طعام طفلك وأجل الأطعمة الحلوة، حتى الفاكهة، إلى أن يتم إدخال الخضراوات أولاً.

 

  • كن قدوة جيدة لطفلك: عندما يكبر طفلك ويراك تستمتع بتناول طبق كبير من السلطة الملونة أو تناول الخيار والجزر وغمسه في الزبادي كوجبة خفيفة بدلاً من تناول الشيبسي أو البسكوت، فبلا شك سيتبع نفس العادات الغذائية.

 

  • استمر في المحاولة: من الطبيعي أن يرفض الطفل تجربة الأطعمة الجديدة ويطلق على ذلك "نيوفوبيا"، غير أن ذلك لا يعني الاستسلام والاستغناء عن هذا الطعام. استمر في تجربة وصفات مختلفة بطرق جديدة مبتكرة وأرجوك تحلي بالصبر.

 

  • لا تسمح بتناول الوجبات الخفيفة قبل الوجبة الرئيسية بساعتين كحد أدنى: إذا شرب طفلك كوب من اللبن على سبيل المثال، فبالرغم من أنه سيصبح مصح جداً إلا أنه سيفقد شهيته للوجبة التالية.

 

  • املئ ثلاجتك بالبدائل الصحية: حقا إن البيئة خير معلم. فإذا انتشرت البدائل الصحية في المنزل، سيكبر الطفل في حبها وببساطة تكون العادات الصحية جزء لا يتجزأ منه.

 

  • لا تلجأ للمعلبات من العصائر أو اللبن المحلى بالنكهات: معظم هذه المعلبات ممتلئة بالسكر الذي يؤدي إلى امتلاء جسم الطفل في فترة قصيرة. بينما تعتبر مثيلتها المعدة في المنزل بديل أفضل بكثير.

 

  • الجلوس معاً كعائلة لتناول وجبة واحدة على الأقل: تناول الطعام سوياً له فوائد كثيرة من بينها الترابط الأسري واكتساب عادات صحية في تناول الطعام.

 

  • عدم تناول الطعام أمام التلفاز: بعض الأطفال قد يأكلون زيادة عن طاقتهم أثناء مشاهدة التلفاز، بينما يفقد البعض الآخر شهيته. كذلك تحتاج إلى توفير بيئة احتفالية بالطعام، بحيث يؤكد على أن الطعام نعمة في حد ذاتها يجب الحفاظ عليها. إذا تشتت انتباه الطفل عن طريق التلفاز فقد لا يقدر جمال منظر وجبه صحية رائعة أو طعمها.

 

  • استمتع بوجباتك الصحيحة وليظهر ذلك على وجهك: كثير من الآباء يقومون بإتباع نظام غذائي، ولا يسمع أطفالهم سوى شكواهم من تناول السلطة فقط كوجبة غذاء. كيف لهذا الطفل أن يحب السلطة عندما يكبر؟ يحتاج ذلك إلى مجهود كبير من الآباء اللذين يعانون من عواقب تناول طعام غير صحي، فعلى العكس إذا تظاهروا أمام أبنائهم بالاستمتاع بتناول السلطة فقد يكبر هؤلاء الأطفال على حب السلطة J.

 

 

أنشطة:

 

  • رحلة إلى سوق المزارعين:

ضع ضمن جدول أعمالك اصطحاب طفلك إلى سوق المزارعين الصحي، واترك لهم الحرية لاختيار أصناف جديدة من الطعام والرجوع بها إلى المنزل لتجريبها.

  • البحث عن الوصفات وطبخها:

ساعد طفلك في البحث عن وصفات جديدة وصحية بخلطات ومذاق مختلف وجربوها معاً.

  • لعبة التذوق:

قم بتغمية عينيك واطلب من طفلك أن يطعمك عينات من الطعام من أطباق صغيرة وحاول أن تخمن نوع هذا الطعام. بالتالي سيطلب الطفل أن يأخذ دوره في هذه اللعبة بما في ذلك تجربة أطعمة جديدة لم يتناولها من قبل، وذلك فقط لأنها لعبة مسلية (ضع طعام واحد جديد فقط في المرة الواحدة).

  • لعبة التصنيف:

اعرض مجموعة من الخضراوات والفاكهة على منضدة المطبخ وجهز سلتين، ثم اطلب من طفلك تصنيفها إلى فواكه وخضراوات.

  • تمثيل مسرحية السوق أو المطعم:

يقوم طفلك بتمثيل دور المزارع أو البائع في السوبر ماركت وحاول قدر المستطاع أن تكون المسرحية مشابهة للواقع. رتب المشهد بحيث يصبح أكثر جاذبية وجمالاً. وتطبيق نفس الشيء بالنسبة لمسرحية المطعم بحيث يكون الطفل هو مقدم الخدمة في المطعم أو العكس.

 

الفكرة الأساسية في كافة الأنشطة السابقة هي إدخال المرح والتسلية على طفلك في كل ما يرتبط بفكرة الغذاء أو تناول الطعام. وبالتأكيد وبصورة غير مباشرة سيتحول طفلك من شخص يجد معاناة في تناول الطعام إلى طفل متعلق بالغذاء الصحي.

 

ما أريد أن أؤكد عليه هنا أنه حتى وإن كنت قد تسببت دون قصد في امتناع طفلك عن تناول كل الأطعمة، فإن الخبر السار أنه ببذل بعض المجهود، والإصرار المغلف بالتسلية واللعب، يمكن تغيير طفلك تماماً لإنسان يتناول الأكل الصحي، إنسان محب لتناوله للأكل الصحي.

 

 

المراجع

B.Link, L. (2013, February 10). 10 reasons why your kids are picky eaters. Retrieved from http://www.kevinmd.com/blog/2013/02/10-reasons-kids-picky-eaters.html

Fletcher, J., & Branen, L. (n.d.). Erick Erickson's psychosocial stages, Applications for children's eating skills development.

Is your child a pick eater? or problem feeder? (2012, December 7).

Sampson, S. (2014, January 15). Reforming a picky eater, Step one: Children Don't control the family meal. The New York Times.

S. Park, J. (n.d.). Keeping kids healthy and fit. Retrieved from http://www.pbs.org/parents/special/article-nutrition-picky.html

 

بقلم الدكتورة منى يسري